الذكاء الصناعي و مأزق الإنسان


لقد شهد القرن الواحد والعشرين قرنا الحالي خلفية تكنولوجية هائلة ، قفزت بالعالم مائان ان من التطور في ضرف بضع سنين . و إن أعظم إفرازات التكنولوجية هو الذكاء الصناعي أعظم تقنية اخترعها  العلم  الحديث  ، فدخلت كل مجالات الحياة، ولكن رغم كل الايجابيات و المساعدة الهائلة التي قدمها للإنسانية ، لكنه أصبح مصدر للخطر عندما نطرح مجموعة من الأسئلة المصيرية عن مستقبل الإنسان في ظل الذكاء الصناعي . لعل ظهور تشات جي بي تي chat gpt  من شركة أوبن إي أي open Ai و هو واحد من أول الواجهات التفاعلية التي يمكن محاورتها و التي تعمل بالذكاء الصناعي ، و هو مدرب على كم هائل من البيانات في شتى المجالات ومختلف العلوم ، حيث يمكنه أن يجيبك على كل أسئلتك التي تريد إجابتها و يمكنه مساعدتك على حل جل المعضلات التي تواجهها في حياتك . 

ظهور تشات جي بي تي للعلن  أعاد للبال كل تلك المخاوف و التساؤلات  بل و زاد من حدتها و  كونه أول تلامس حقيقي بين  الأفراد العاديين و الذكاء الصناعي بشكل مباشر بهذه الطريقة السهلة  و البسيطة، لذا ستخطر على البال  الواحد منا عدة أسئلة لابد من الإجابة عنها لكي نفهم المستقبل الذي ينتظرنا .سنحاول في هذا المقال الإجابة على مجموعة من تلك الأسئلة ، ستندرج بالأسئلة بناءً على مدى خطورته . تجدر الإشارة إلى أننا هنا في صدد ذكر السلبيات من وجهة نظر المنتقدين ، و سنعرض كذلك الإيجابيات  و سنترك لكم القرار في تحديد الأفضل لمستقبل  للإنسان .


هل يمكن أن تبيدنا الآلات؟

هل ستحكمنا الآلة الذكية ؟

هل ستسبدلنا الآلة؟


هل ستحكمنا الآلة الذكية ؟


ان مفاهيم الحكم و السلطة  -و رغم  تعقيد الكلام في هذا الموضوع- كما  يرى  توماس هوبز هما الضمانة التي تؤكد تطبيق القوانين وتفرضها على الأفراد الانانيين بالفطرة  و الإنسان بنظر هوبز ذئب  للإنسان، و   البشر  يسعون لتحقيق مصالحهم الشخصية، فتكون السلطة هي المنظومة التي   يتخلى لها  كل فرد  عن بعض حرياته  ضمن عقد اجتماعي بهدف  تحقيق الأمن و النظام ، فالسلطة  إذا هي من تعاقب كل مخالف للقانون ، أن الكلام هنا ليس في مجال التعميم على كل الأفراد وكل المجتمعات لكننا في الواقع نرى ان السواد الاعظم من من المجتمعات والأفراد على هذه الشاكلة.

و  نغوص في مخيلتنا اكثر فلنتخيل استبدال هذه السلطة والنظام الحاكم من الأفراد العاديين ، بحاسوب ضخم ذكي مدرب على مليارات البيانات والقادر على اتخاذ القرارات المناسبة بناء على المعطيات المنطقية العلمية .


إذا ما   يقصده بعض السائلين  بقولهم  تحكمنا  ،  هو صورة الحكم الذي يتخيله البشر أنفسهم او  صورة الحاكم الأسوأ الذي يعيش في خيال الفرد و الذي يتخيل أن روبوتاً  يتصرف بهذا الشكل أي بعبارة  أبسط الدكتاتور الألي .


 و أن ذلك الدكتاتور الآلي ،الذي ربما قد صنعه البشر وفقدوا السيطرة عليه او أنه خلق نفسه بنفسه،  سيتحكم بالعالم بكل ما فيه من بشر وحجر، وأن الألات  ستتواصل وتتفاعل فيما بينها  تحت سيطرة ذلك الكيان الآلي المركزي الهائل و تسيير العالم ، و هذه  فكرة من صنع الخيال العلمي والأفلام وهي بعيد عن الواقع على الأقل حتى  اليوم  ، و لكن هذا لا ينفي وجود أنظمة تعمل بهذه الطريقة لكن ليس بذلك الشكل الذي تصوره الأفلام  ،و أن  الآلات تقاسم الإنسان السيادة على العالم . 

و  هذه النُظم موجودة  لكن على شكل مجموعة من الأجهزة المنتشرة حول العالم والتي تجمع المعلومات و ترسلها إلى معالجات مركزية تنظمها  وتحللها بالذكاء الصناعي و ترسل  النتائج إلى مجموعة من البشر لإتخاذ القرارات ،فالآلات  هنا ليست المتحكم و لا المسيطر و لا تتخذ أي قرارات ، بل وسيلة مساعدة لمجموعة من البشر في إتخاذ  القرارات  و سنتناول هذا الموضوع بالتفاصيل مستقبلاً. 

اذا لماذا هذه الفكرة بعيدة عن الواقع ، السبب الاساسي هو انه ليخلق ديكتاتور معين فإنه يتطلب العديد من العوامل الإنسانية كطلب السلطة والسعي للحصول عليها بشتى الوسائل ، وذلك لتحقيق ايديولوجية معينة خيرة كانت  او شريرة  ، وكذلك لما تعطيه من قيمه ونشوه وتحقيق ذات وحتى عقد نفسية ، وأن كل ما سبق ميزات لا يمكن للاله ان تتمتع بها كونها تفتقد للقدرات العقلية الوعي والإدراك  وحتى الفهم ، وإن الآلات لا تملك طماعا ولا مصالح شخصية مبنية على الغرائز الأساسية كالبشر. 

 ولكن إذا افترضنا أن الآلة  قد خرقت تلك الحواجز ، ووصلت لتلك المكانة والسلطة فهيمنت على العالم،ستكون في نظر الإيجابيين والمتفائلين بالتقنية   خير حاكم له أفضل حكامه عبر التاريخ فإنها ستسير الأمور بالشكل المثالي دون تدخل بشري ليحمي هذا ويهاجم ذاك، ويحتل هنا ويدمر هناك ساعيا لتحقيق أطماعه و مصالحه .

 ولكن هذا مع ذلك ليس بسيناريو مثالي أيضا يشوبه الكثير . فالألات و مهما تمتعت  من ذكاء فإنها لا تزال تفتقر للأخلاق و القيم،  التي يمكن  أن تلجم أي تصرف لا أخلاقي الإبادة الجماعية  مثلا أو إشعال حروب مع البشر ، فهي لو حكمت ستكون  إلهاً ميتاً لا أكثر كما يسميها إريك فروم ، وهنا يطرح  سؤال آخر نفسه . 


 هل يمكن أن تبيد الآلات البشر من تلقاء نفسها ؟


ان ابادة الآلات للبشر ليست بالضرورة حكرا على كونها السلطة المتحكمة فقط بل ان ذلك أعمق بكثير، فيعود إلى الأسباب التي تدفع القتل ،فالقتل هو إزالة الشيء من الوجود وهو طريقة البشر في التخلص من بعضهم البعض. وفي العادة للقتل أسباب كثيرة يمكن أن نختصرها في سببين  اثنين، إما أن يكون القاتل مختل عقليا أو مريضا نفسيا،  فينظر للعالم بطريقة مشوهة- و هو شيء ليس ببعيد عن فهم بعض الآلات-  ، مثلا هناك من يقتل احبابه ظنا منه أنه يساعدهم على الوصول للاخره.  والسبب الثاني هو وجود الضغينة وهي ميزة يتمتع فيها البشر يتبادلونها فيما بينهم عادة على مستويات صغرى  بين الأفراد وكبرى بين المنظومات الأكبر. كالدول مثلا ، و  للضغينة عدة أسباب كصراع  النفوذ والمصالح  و الخلافات و غيره من الأمور الإنسانية.

 وفي سبيل التخلص من هذه الفكرة من الاساس يمكننا وضع معايير تُبرمج في الآلات، كالاتي وضعها   كاتب الخيال العلمي الشهير الامريكي الروسي الأصل إسحاق عظيموف  في كتابه أنا روبوت وهي ثلاثة:


  1. لا يمكن للروبوت أن يؤذي شخصًا أو ، من خلال تقاعسه عن العمل ، يسمح بإلحاق الضرر به.

  2. يجب أن يطيع الروبوت جميع الأوامر الصادرة عن الإنسان ، باستثناء الحالات التي تتعارض فيها هذه الأوامر مع القانون الأول.

  3. يجب أن يعتني الروبوت بسلامته إلى الحد الذي لا يتعارض فيه مع القانون الأول والقانون الثاني.


ان تطبيق مثل هذه القوانين قد يحمينا ولو إلى حد ما ،من خطر ألات  قد تنتشر بيننا لتساعدنا في حياتنا كالتي تصورها عظيموف او تحكمنا كما في اسوء الاحوال. لكن ماذا لو كان الروبوت مبرمجا أساسا بهدف القتل؟  فإن هذه مشكلة أخلاقية كبيرة تظهر خاصة في مجال استخدام الروبوتات والذكاء الصناعي في الحرب ، إبان الغزو الأمريكي للعراق نتيجة خطأ تقني في النظام منصة دفاع جوي من طراز باتريوت امريكية صواريخها نحو مقاتلات صديقه واسقطتها،  تلك المنصات كانت تعمل بنظام يسمح لها بأن تطلق الصواريخ تلقائيا حين رصد أهداف جوية معادية دون الرجوع لمشغليها  . فنحن أمام مشكلة تقنية اخرى وهي ماذا يضمن أن أي آلة مهما بلغت من ذكاء ،ما زالت معرضةً المشاكل و الثغرات  bugs  أو عدم التحليل الجيد للمعطيات والمعلومات ، وذلك مع الافتراض أن الآلات الذكية قد وصلت لمرحله يمكنها ان تؤمن كل حاجاته اللوجستية من طاقة وصيانة وان تصنع  اسلحتها بنفسها و تأمن لها الذخائر وغيرها من الأمور التقنية  . 

في الخلاصة أن مثل تلك الأنظمة ولو استخدمت في الحرب لا تزال تعمل بمساعدة البشر بشكل كبير، ولا يمكنها أن تعمل من تلقاء نفسها بدون مساعدتهم إلا في نطاق محدود جدا  لا زالت تحت إشراف المهندسين والضباط البشريين، فتصبح الآلة هنا وسيلة سلاحاً بيد مستخدميها كالعصا والمسدس.


وبعد مناقشتنا للسؤالين السابقين و  القادمين من عالم الخيال العلمي، واللذين يشكلان أسوأ سيناريوهات يمكن أن تحدث . يمكننا ان نطرح السؤال الأساسي والأكثر واقعية ها هنا في هذا الإطار.


هل يمكن أن تستبدلنا الآلات نهائياً ؟

قبل الولوج الى نقاش الإجابة يمكننا القول ان الالات لن تستبدلنا نهائيا لان مثل هذه الفكرة ستعيدنا الى السؤال الاول. إذا الآلات لن تقوم باستبدالنا نهائيا لكنها تزاحمنا في الكثير الكثير من الشؤون وقد تستبدلنا في عدد منها.


إن أهم الشؤون كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة وخاصة مع  ظهور تشات  جي بي تي وإتاحتها للاستخدام العام من كافة البشر حول العالم ، هو فكرة هل ستحل الآلات  مكاننا في وظائفنا؟

إذا تنقسم الأراء بين مؤيدين من جهة وآخرين رافضين من جهة أخرى،  فالسؤال محط الخلاف وإثارة الجدل.

 حيث يرى الكثيرون  أن الذكاء الصناعي و الألات ستستبدل البشر و تحل مكانهم في الكثير من الوظائف ومجالات العمل، وذلك بسبب تطور و تنوع تلك التقنيات والتي فاقت البشر في نواحي كثيرة . يرى جيريمي ريفكين في كتابه نهاية العمل مأزق الرأسمالية  أن الرأسمالية وفي سبيل تحقيق هدفها الأعظم   زيادة الأرباح وذلك عبر تخفيض تكاليف الإنتاج، فإنها تبدأ بتسريح العاملين بشتى الطرق والوسائل ، وذلك في سعيها المتواصل لخفض التكاليف ،والتخلص من الكم الهائل من الطلبات  الاجتماعية للعاملين وذلك ما لا يناسب السعي الدائم  للكسب الهائل والربح. وهنا تستعمل الرأسمالية التقنيات الحديثة والمتطورة  لتحل محل العمال المسرحين حتى أنها تنتج مكانهم بكفاءة أكبر.

 وهذا ما شهدناه في الثورات الصناعية السابقة عند اختراع  المحرك البخاري أو الكمبيوتر وهذا ليس بعيدا في عصر تطور الذكاء الصناعي .

 للاسف ان التقنية الحديثة تطور وتصنع بناء على التمويل والصرف على البحث العلمي من قبل شركات الكبيرة الرأسمالية المسيطرة على السوق ، وذلك في سياق تنافسها مع بعضها،  او تمول من قبل الحكومات وذلك بهدف تحقيق مصالحها الاستراتيجيه عبر بناء نماذج الذكاء الصناعي الا الاقوى. و ليس بهدف خدمة الإنسان أو تطوير البشرية كهدف أساسي . 

وان التقنية الذكية اليوم قد بدأت  تزاحم العديد من الموظفين في العديد من المجالات،  فالأنظمة الذكية اليوم وبتوجيه بشري بسيط يمكنها أن تكتب لك اكواد برمجية لواجبك المدرسي ، او لوظيفتك، كما يمكنها أن  ترسم لك  ما يجول في خاطرك ،  وتصمم لك شعار شركه او بوستر ما بكل بساطة بشكل حتى لا يمكن حتى للمتخصصين اكتشاف أن الة قد صنعتها، و يمكنها  ان تكتب لك بريدا الكترونيا او نص مدونة او مقالة  بناء على بعض الكلمات المفتاحية التي تعطيها لها. إنه عصر ما بعد الإنسان فنحن حيث نحن البشر في لسنا أكثر من مستهلكين لما تنتجه للتقنية الحديثة ، وذلك في حلقة رأسمالية . 


وعلى النقيض في الجانب الآخر يذهب الكثير من الناس للاعتقاد أن تقنيات الحديثة والذكاء الصناعي يمكنها أن تساعد البشر وترتفع بهم لدرجة أعلى من الكفاءة والقدرة على الإنتاج ، تخيل معي انك اليوم بمساعدة  بعض التقنيات الحديثة يمكنك ان تقوم بعمل فريق ضخم لوحدك،  فالذكاء الصناعي يرسم لك ويكتب لك وحتى انه يبرمج لك ، أي أنه يقوم بعمل عدة أفراد لوحده . 

فنحن اليوم في عصر يتميز فيه الإنسان بالفكرة أما الألات فتصنع كل ما تبقى ، والفكرة هنا هي الحاجة النهائية للإنسان في هذه المنظومة،  وتتمثل في بعض المفردات والكلمات التي تنشئ بها الأوامر التي يفهمها الذكاء الاصطناعي ويقوم بناء عليها بالإنتاج .

وايضا وكما حدث في الثورات الصناعية السابقة فقد طرد العديد من العمال من أعمالهم الفلاحين بعد إختراع المحراث الآلي أو   الكتاب  في بعد اختراع  الحاسوب و غيرهم الكثير ، في التطور الدائم سمة من سمات العالم و التكيف سمة من سمات البشر ،   حيث أن  التقنية الحديثة وقتها خلقت لجيوش العاطلين المفترضين فرص عمل جديدة يعملون فيها مكان أعمالهم القديمة . 

فإن كل ما فعلته التقنيات الحديثة المتطورة وما ستفعله في المستقبل هو رفع متطلبات العمل،  والتي تقتضي بالضرورة رفع كفاءة البشر أي قدرتهم على التكيف والتعامل مع تلك التقنيات الحديثة . 

 بالاميه مثلا كانت عدم القدره على الكتابه والقراءه على الاوراق ثم تطورت لتكون عدم القدرة على التعامل مع الحاسوب والانترنت وستصبح عدم القدرة على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي او اي تطور جديد تفرضه علينا  التقنية الحديثة.


ختاما إن التقنيات الحديثة والذكاء الصناعي كغيرها مت  من المنتجات الجديدة للحضارة البشرية،  والتي من شأنها أن تسرع عجلة التطور  ستخلق جدلا أخلاقيا  ونزاعاً بشكلنٍ أو بآخر، بين مؤيدي التغيير والتطور والرافضين له ، بين متشائمين متفائلين وما بين بين ، كما أنها ستطرح العديد من الأسئلة الوجودية التي تطرقنا إلى بعضها اليوم. بغض النظر عن رأينا الشخصي فإننا بالمحصلة نرى أن التقنية الحديثة قد فتحت الباب نحو عصر جديد عصر كما يسميه البعض عصر ما بعد الإنسانية و ذلك بشكل أسرع من سابقتها من الثورات . وان التقنيات الحديثة موجودة و تطور باستمرار،  ويجب علينا مواكبتها والحصول على قدر الأكبر من الاستفادة منها ، فهي حتى اليوم على الأقل وسيلة فالألات لا  يمكن ان تتحرك  إلا بحسب ما يمليه مستخدمها ولم تصل للاستقلال الفكري بعد. 



Comments

Popular posts from this blog

أصول التوحش الامبريالية الغربية و أولادها