كيف تفكر الآلات :الذكاء الصناعي
مفاهيمه و تقنياته
الذكاء الصناعي Artificial intelligence أو المعروف اختصارا بال إي أي AI ، مصطلح انتشر مؤخرا بشكل واسع ، حيث بتنا نسمع عنه أينما ذهبنا ، فبات يلاحقنا في كل مكان حرفيا. إن الذكاء الصناعي هو ذروة ما وصلت إليه تكنولوجيا المعلومات وهندسة الحواسيب من إبداع ، فالذكاء الصناعي دخل كل شيء حولنا تقريبا، و سيطر مؤخراً على السواد الأعظم من مواضيع الأبحاث في مجالات علوم الحاسوب وغيرها من المجالات كالإقتصاد والفيزياء والرياضيات وعلم الأحياء وحتى بعض العلوم الإنسانية . و يقبع خلف كل شيء في الفضاء الرقمي من الحواسيب و الهواتف الذكية ، إلى الروبوتات ، فشبكات التواصل وغيرها الكثير الكثير ، كيف لا وهو المتحكم فيها و موجهها الأول .
سنحاول اليوم فهم ما هو الذكاء الصناعي ، وكيف يعمل وما هي أبرز تقنياته و استعمالاته ، و لماذا أشرقت شمسه في هذا العصر بالتحديد .
هل يمكن للألات و الحواسيب التفكير ؟ هذا السؤال الذي طرحه و ناقشه عالم الرياضيات و علوم الحاسوب الكبير، آلان تورينج في ورقته البحثية المنشورة عام ١٩٥٠ أي قبل ٧٠ عاما من اليوم ، ففتح هذا الباب أمام عصر جديد من تكنولوجيا المعلومات و الحوسبة . لكن وقبل أن نبدأ حديثنا عن الذكاء الصناعي ، يجب أولا نتعرف على معنى و مفهوم الذكاء بشكل عام .
الذكاء
تنوعت وتعددت تعريفات الذكاء بين الفلاسفة وعلماء النفس المختلفين فمنهم من عرفه بجودة العقل والقدرة على التعلم من التجربة أو التكيف مع المواقف المختلفة وآخرون بالقدرة على فهم و المعالجة ، أو التمكن من استخدام المعرفة. كل التعريفات السابقة تنطوي على مجموعة من الأفكار أساسية يمكن أن تشكل كلها تعريف صحيحا للذكاء. لذى يمكننا أن نحصر الذكاء ثلاثة أفكار أساسية وهي :
أولا التعلم أي القدرة على اكتساب وتخزين المعارف و استيعاب الأمور والمعلومات المختلفة وتحليلها والقدرة على استخدامها والاستفادة منها عند الحاجة .
ثانيا تحديد الخلل و المشاكل أو القدرة على التحليل عبر فهم البيئة والنظام المحيطين ، وإيجاد المشاكل وتحديدها وفهم ما يدور حولنا ، و القدرة طرح الأسئلة المختلفة .
ثالثا حل المشاكل: أي التمكن من استخدام المعلومات و المعارف المخزنة التي تعلمها الشخص لإيجاد حل مفيد لمشكلة تم ملاحظتها في المحيط, وتتضمن هذه المرحلة عملية صناعة واتخاذ القرارات.
تجدر الاشارة ان تحديد الخلل وحل المشكلة الملاحظة هما بشكل او بأخر مصادر جديدة للتعلم لنتعلم منها معارف جديدة مرارا وتكرارا، بهدف زيادة المخزون المعرفي المتراكم الذي نملكه ، لمواجهة المشاكل الجديدة التي قد نواجهها مستقبلا .
إذا في الخلاصة ، يمكننا القول أن مفهوم الذكاء يتضمن مجموعة من الصفات التي تعبر عنه ، و منها قدرة الشخص على استيعاب الأمور والمعلومات بشكل أسرع، ومن ثم فهم و تحليل تلك المعلومات و تحويلها على أرض الواقع إلى سلوك أو فعل معين بهدف حل مشكلة أو خلل ما .
و طبعا ينقسم الذكاء البشري لعدة أنواع كالذكاء الرياضي ، والذكاء السياسي و الذكاء الرياضي و الذكاء الموسيقي و غيرها بحسب المهارات اللازمة لكل مجال من المجالات التي قد يبرع فيها الإنسان و يوجه طاقاته نحوها .
الذكاء الصناعي
وبالإضافة لآلان تورنج الذي طرح الفكرة و ناقشها و الذي ذكرناه سابقا، يعد جون ماكارثي المعروف بأبي الذكاء الصناعي فهو أول من استعمل مصطلح الذكاء الصناعي artificial Intelligence عام 1956 ، وقد عرفه بأنه "هو علم و هندسة صناعة الآلات الذكية و بالأخص برامج الحاسوب الذكية ".
ولكن عندما نسمع بالذكاء الصناعي يخطر على بالنا صور الروبوتات أو كالمحاور الألي تشات جي بي تي chat gpt أو ما شاكل، لكن في الواقع ، الذكاء الصناعي هو ليس أكثر من خوارزمية ذكية أي أنها تفعل ما يجب أن تفعل بدون برمجتها لفعل ذلك بشكل مباشر، وتتصرف بطريقة تقلد السلوك البشري الذكي و تتجاوزه حتى . و تلك الخوارزميات هي من تتحكم بالواجهات التي نتفاعل معها وتتفاعل معنا من الخلف فهي تحدد اتجاهات السير في العربات ذاتية القيادة، والحركة القادمة للاعب الآلي في الشطرنج وحتى الفيديوهات المقترحة على يو تيوب لكل مستخدم على حدا. و لكن كيف تعمل هذه الخوارزميات الذكية بالظبط .
هنا يظهر على الساحة مفهوم تعلم الآلة machine learning وهو مجال بحث ضمن مجال الذكاء الصناعي ، وفرع من فروعه لا يختصره كلها وعادة ما يتم الخلط بينهما . يعني تعلم الآلة بصناعة برمجيات ذكية عبر محاكاة طريقة عمل الذكاء البشري .
تعمل برمجيات تعلم الآلة عبر تدريب نموذج رياضي معين على كمية من البيانات المجمعة سابقا ثم يقوم بعمليات حسابية دقيقة لإستخراج و تحديد الأنماط المتكررة في تلك البيانات ، وذلك بهدف توقع نتائج جديدة مستقبلا.
لنأخذ نموذج تشخيص طبي ذكي ، فإذا جمعنا مجموعة من بيانات مرضى السكري كالطول والوزن والعمر ،والجنس و بعض المعلومات الصحية الأخرى ، و استخدمناها في تدريب نموذج معين ، و ذلك بهدف توقع إذا كان شخص آخر بمواصفات معينة مريضا بالسكري أو لا. وهذا مثال بسيط جداً عن آلية عمل تعلم الآلة . و لكن قبل تدريب النموذج يجب معالجة البيانات وتحويلها لأشكال يمكن للنموذج فهمها و تحليلها فالنموذج لا يمكنه فهم ان فلان مريض سكري او فلان ليس مريضا، بل يراها أن مجموعة من المتغيرات تعطي نتيجة أي فلان مريض سكري 1 أو مجموعة أخرى من البيانات تعطي 0 أي المريض ليس مصابا وهكذا ذواليك ، إذا النموذج يفهم فقط لغة الأرقام ،ولا يمكنه معالجة المصطلحات و المفاهيم المعرفية كالجمل و الكلمات و غيرها بل يحولها لأرقام .
وتعلم الآلة يتكون من عمليتين أساسيتين يقوم بهما و هما التصنيف و التجميع ، و التصنيف classification كما رأينا في المثال السابق يتعلم النموذج من بيانات مصنفة سابقا ، ليقوم بتوقع تصنيف لمجموعة من البيانات الجديدة الغير مصنفة سابقا، . و التجميع clustering هو عملية تجميع البيانات غير المصنفة إلى عدة مجموعات متشابهة .
يظهر هذا الرسم العلاقة بين الذكاء الصناعي و تعلم الآلة و التعلم العميق
ويعد التعلم العميق هو ذروة ما توصلت له الأبحاث في مجال الذكاء الصناعي و تعلم الآلة ، و يقوم على الشبكات العصبية الاصطناعية artificial neural networks وهي محاكاة فعلية للشبكات العصبية البيولوجية في الدماغ. في عملية التعلم العميق تقوم الشبكات العصبية بأغلب العمل بشكل شبه تلقائي خاصة أن البيانات المستخدمة تكون بشكل أكثر تعقيدا مثل الصور و المقاطع الصوتية و بأحجام كبيرة جدا و كميات هائلة . كما أن هناك مجموعة من نماذج العميقة تقوم بإنتاج مخرجات يمكن أن تتعدى التصنيف والتجميع كإنتاج أجوبة للأسئلة أو إنتاج صور أو نصوص معينة . كما و بإمكان الشبكات العصبية أن تتعلم من أخطائها في عملية التدريب على البيانات و تصحح نفسها بنفسها عبر ما يسمى الانتشار العكسي backpropagation .
نموذج يظهر الشكل المتخيل للشبكات العصبية الصناعية
أنواع الذكاء الصناعي
كما أن للذكاء البشري أنواع عديدة، فإن للذكاء الصناعي مجلات و إستخدامات مختلفة و متنوعة ، و تشمل أغلب مجالات الحياة من حولنا ، هنا يمكن أن نلقي نظرة سريعة على أهم مجالات الذكاء الصناعي المستخدمة اليوم.
الذكاء الصناعي في الألعاب : برزت قدرات الذكاء الصناعي في مجال الألعاب ، حيث كان من أول المجالات التي ظهر فيها الذكاء الصناعي ،و ذلك منذ القرن الماضي . في العام 1997 ظهر الذكاء الصناعي المعروف بإسم deep blue دييب بلو أو الأزرق العميق ، الذي صنعته أي بي إم IBM ، و الذي تحدى بطل العالم في الشطرنج وقتها الشهير غاري كاسباروف، و الذي تمكن من هزيمته في مباراتين الأمر الذي شكل صدمة وقتها للعالم للعالم .
و هناك أيضاً ، ألفا جو alpha go وهو نظام ذكاء صناعي من إنتاج ديب مايند deep mind و هذا النظام يتقن لعبة ال جو go ، وهي لعبة طاولة كالشطرنج اخترعت في الصين قبل 3000 سنة . في سيول عاصمة كوريا الجنوبية، و في العام 2016 تنافس ألفا جو مع لي سيدول Lee Sedol صاحب ال 18 لقب عالمي و الذي يعتبر في أوساط اللعبة أفضل لاعب جو في التاريخ ، و كما حصل مع سابقا مع كاسباروف خسر لي أمام الذكاء الصناعي أيضا 4-1 أمام أعين 200 مليون مشاهد حول العالم . وهنا أظهر الذكاء الصناعي تفوقا واضحا على أقوى العقول البشرية في مجالات تفوقها الأساسي .
الرؤية الحاسوبية computer vision أي إعطاء الآلة القدرة على فهم ومعالجة البيانات الصورية و إستخراج المعرفة المفيدة منها . وتحتاج هذه العملية كميات ضخمة من البيانات الصورية لتدريب نماذج تعلم عميق خاصة و هي conventional neural network و هو نوع خاص من الشبكات العصبية ، و التي تقوم بتحليل الصور و ذلك عبر عمليات معقدة تحول الصورة لصيغة رقمية يمكن للحاسوب فهمها .
ومن استخداماتها عملية تحديد الوجوه أي ، تقوم الأنظمة الذكية بتحديد هوية الشخص عبر تحديد وجهه في صور أو فيديو ما . وتلعب الرؤية الحاسوبية دورا أساسيا في عمل السيارات ذاتية القيادة ، والتي تقوم بتحليل كل ما يحيط بها من أشياء لتحديد الطريق الذي ستسلكه وكيف ستسير فيه وملاحظة العوائق حولها .
تحليل اللغات الطبيعية و هي مجموعة التقنيات و الخوارزميات التي تعطي الذكاء الصناعي القدرة على فهم و تحليل لغة البشر الطبيعية، وتصنيفها لسلبي وإيجابي عبر تحليل المشاعر ، و القدرة على إنتاج النصوص في بعض الحالات ، فمثلا يمكننا تدريب نموذج تعلم عميق بنصوص الشعر العربي كي يقوم هو الآخر بإنتاج قصائد ، ربما يكون أغلبها ركيكا و بدون معنى، و ذلك لأن الحاسوب يحول النصوص لأشكال رقمية يفهمها أيضا ، ثم ينتج أشكالا رقمية تتم معالجتها لتعود بشكل يمكن للإنسان فهمه .
لمذا اليوم؟
إن النماذج الإحصائية و الخوارزميات و المعادلات الرياضية موجودة منذ قديم الزمان ، و حتى يمكن تطبيق بعضها على الورق بشكل يدوي ، و حتى أن بعض النماذج مطبقة حاسوبيا منذ القرن الماضي ، إذا لماذا انفجرت تقنيات الذكاء الصناعي بهذا الشكل الجنوني الآن .
إن العصر الحالي و كما يصنفه البعض هو عصر بداية ازدهار الذكاء الصناعي و أتمتة النماذج الرياضية و الإحصائية ، وذلك لتواجد أهم عناصر ازدهار هذه الصناعة و التي يعود الفضل لها بشكل أساسي ، وأهم تلك العناصر هي :
القوة الحاسوبية الخارقة والتي تتمثل بالقدرة الهائلة على تحليل و معالجة المعلومات التي وصلت إليها الحواسيب ، فتطور المعالجات وهي القطعة الإلكترونية المسئولة عن تحليل و التعامل مع المعلومات في الحاسوب ، و حتى إنتاج معالجات خارقة القوة و هي المعالجات الجرافيكية GPU الأسراع والقادرة على استيعاب كميات أكبر من المعلومات ، وهي التي تستخدم في عملية تدريب النماذج المعقدة و الشبكات العصبية المتشابكة ، بسرعة هائلة و بدون أخطاء أو مشاكل .
وفرة البيانات إن البيانات الهائلة التي توفرت بسبب الثورة الرقمية ، و التي تتطلبها عملية التدريب لم تكون متوفرة بهذه الكميات والأحجام و التنوع سابقا، فإن كل ما نحتاجه لبناء النماذج الدقيقة و المعقدة بمختلف استعمالاتها ،باتت موجودة و بعضها بشكل مجاني على شبكة النت. و إن تنوع وكثرة البيانات تضمن رفع قدرة عمل النماذج في الحصول على النتائج الأكثر دقة . إن كل ما نفعله أو ننشره او نكتبه أو نتعامل معه على الإنترنت يمكن أن نستعمله لتدريب نماذج ذكاء صناعي لتوقع أي شيء يمكن أن يخطر في البال لاحقنا من المقترحات على اليوتيوب إلى تفضيلاتك في الإنتخابات .
عصر المعرفة إن الكميات المهولة من البيانات و الحواسب الخارقة لن تقوم وحدها ببناء نماذج ذكاء صناعي فعالة لولا وجود علماء البيانات و عباقرة التكنولوجيا لتطويرها ، إن عصر انتشار المعرفة و العلوم وذلك بفضل التطور التكنولوجي و الإنترنت ، و كذلك وضوح و تطور مناهج التدريس و التعليم في مجالات علوم البيانات والذكاء الصناعي ، وانتشارها حول العالم وسهولة الوصول لها . و الحاجة لإستخدام تقنيات الذكاء الصناعي في شتى المجالات المختلفة كما أسلفنا ، ساهم في تطور الأبحاث العلمية المختصة بالذكاء الصناعي بسرعة هائلة أوصلتنا إلى هنا .
إن كل المقومات اللازمة من معارف و قوة الحوسبة و كذلك الكميات الهائلة من البيانات كلها متوفرة و لذلك كان عصرنا. منذ أواخر القرن الماضي تطورت علوم و تقنيات الذكاء الصناعي و تعلم الآلة و التعلم العميق ، حتى وصلت لما وصلت له اليوم من إبداع ، فدخلت كافة نواحي الحياة و إقتحمت كل مجالات البحث العلمي . كما أصبح الذكاء الصناعي متحكما أساسيا في الكثير من منتجات التقنية الحديثة كشبكات التواصل الإجتماعي و محركات و الروبوتات … بمساعدة الإنسان طبعا ، وذلك لتنوع تقنياته و إتساع قدراته التي شملت العديد من نواحي الحياة العصرية والتي يترجم كل ما فيها لبيانات ، والتي تعالجها النماذج الذكية كأرقام . إن ما نشهده اليوم ليس أكثر من بدايات ثورة الذكاء الصناعي التي غيرت وستغير الكثير من التقنيات والمفاهيم في المستقبل . إن الذكاء الصناعي و رغم أنه مساعد أساسي للبشر في شتى الأمور، لكن لا يختلف إثنان على أنه يحمل خطراً محدقا قد يهدد المستقبل.
المصادر:
https://mafahem.com/%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%A1-16
hat is Artificial Intelligence (AI) ? | IBM
(96) artificial_intelligence_tutorial.pdf | Daniel Rubens - Academia.edu
Deep Blue vs Garry Kasparov: 25 Years On - The AI Summit & IoT World (appliedintelligence.live)
Judith Hurwitz , Daniel Kirsch, machine learning for dummies, United States of America: IBM, 2018.
https://www.deepmind.com/research/highlighted-research/alphago
https://www.ibm.com/topics/computer-vision
Comments
Post a Comment