جحيم غزة كيف سيكون الصراع البري بين جيش العدو و المقاومة

 

 

في صبيحة يوم السبت السابع من أكتوبر تشرين  و بالتحديد بعد مضي خمسين عاماً على حرب أكتوبر تشرين المجيدة التي خضتها مصر و سوريا ضد العدو الإسرائيلي ، قامت قوات المقاومين الفلسطينيين بهجوم مباغت على مستوطنات غلاف غزة والمواقع العسكرية  الإسرائيلية  على حدود القطاع ، و قد نجحت منذ الساعات الأولى في تحييد فرقة غزة العسكرية الإسرائيلية و قتل و إصابة وأسر أفرادها وعلى رأسهم قائد الفرقة الجنرال  نمرود الوني بشكل مهين و معه  وعددّ كبير من الجنود الإسرائيليين والمستوطنين واقتدواهم  إلى داخل القطاع .

كان هجوم المقاومة خاطفاً و سريعاً  او بما يعرف بحرب برق او بليتزجريك صغير ، كما  و أن الهجوم منظماً خير تنظيم و نتاج تخطيط دقيق مسبق من أعلى مستوى . أدى هذا الهجوم  الذي عرى كلى قدرات العدوى الاستخبارية والأمنية  ، كما و قد شكل انتشار الفيديوهات المذلة  و المريعة لجنود العدو الذي دأب طول تاريخه  و بفضل قوته الإعلامية على إخفاء مثل هكذا مقاطع على مر تاريخه، حتى أننا بالكاد قد نجد صور لقتلى وجرحى العدو من معاركه السابقة . و بعد كل ما سبق صب العدو جام غضبه ووحشيته و على قطعة أرض صارت قطعة من الجحيم كانت تعرف بغزة  من كثرة القصف الجوي ، فقتل الأطفال والشيوخ والنساء  من المدنيين العزل ، و بعد أن أثبت الواقع العسكري أن سلاح  يعجز عن حسم أي معركة او تحقيق اي انتصار ميداني كالعادة ، قرر العدو شن هجومٍ بري على القطاع .


فهل سيكون القطاع جحيما للجيش العدو أم إن العدوى و بما يملك من إمكانيات سيقدر على قطع رأس المقاومة في القطاع كما يزعم ؟



في البداية يجب أن نقول  إن كل من يفكر حتى ، في أن هجوماً إسرائلياً برياً قد يكون سهلا حيث سيدخلون و يحتلون القطاع و يدمرون حماس بفرقة موسيقية أو حتى بلواء جولاني و قوات دلتا فورس الأمريكية  إننا لسنا في هوليود و إن العدو يعرف جيدا ما ينتظره هناك وحتى ما يجري حوله.

إن من وضع و جهز و حضر للعملية هجومية كطوفان الأقصى بكل تعقيداتها كما و نفذها بدقة منقطعة النظير صدمت حتى أعتى  جنرالات إسرائيل والغرب ، ليس بقادر على توقع تبعات مثل هكذا عملية، ناهيك عن وضع خطط و تكتيكات دفاعية في حال شن العدو هجوماً برياً ضيقاً او واسع النطاق. 


نقاط قوة جيش العدو الإسرائيلي :

يعد جيش يعد جيش العدو من اقوى الجيوش في منطقة الشرق الأوسط،  وهو القوة النووية الوحيدة فيها ، و يحتل جيش العدو المرتبة 18 على العالم بحسب ترتيب موقع جلوبل فاير باور للتصنيفات العسكرية globalfirepower  . وبحسب الموقع ذاته يمتلك الجيش  183 ألف من العسكريين النشطين ضمن قواته ، و  كذلك أعلن العدو في وقت سابق تعبئة  300 ألف جندي من قوات الاحتياط  بعد أن أعلن حالة الحرب . وكذلك إن جل المستوطنين الاسرائيليين قد تدربوا تدريبا عسكريا منذ نعومة أظفارهم و يعرفون  كيفية استخدام السلاح ، وحتى أن بعضهم قد سلح بالفعل . كذلك لا يمكننا أن نغفل عن نقطة أساسية وهي  الدعم الغربي اللامحدود على الصعيدين السياسي والعسكري ،حيث وبدأت  منذ اليوم الأول ،طائرات الغرب المحملة بالسلاح والذخائر في الهبوط في مطارات العدو لسد نواقص قواته. 


يملك  جيش العدو في ترسانته أكثر من ثلاثة آلاف دبابة اغلبها من نوع  ميركافا بمختلف فئاتها، و وما يزيد عن 90 ألف مدرعة بمختلف انواعها واحجامها . هنا لابد من الإشارة احدث ما انتجته الآلة الحربية الإسرائيلية وهي الدبابة ميركافا  4 المحدثه ، والمزودة بأنظمة متطورة للدفاع ضد المقذوفات الصاروخية المضادة للدروع  والتي تعرف بتروفي. كما لا يمكننا أن ننسى سلاح الجو الاسرائيلي الاقوى والاحدث والأكثر تفوقاً في المنطقة، حيث يملك اكثر من الف طائرات مختلف أنواعها ونخص بالذكر هنا اف 35 الشبحية الامريكية والتي تعد اسرائيل أول من حصل على تلك الطائرة بعد منتجها أي الولايات المتحدة.

وكذلك يعد جيش العدو نظريا واحدا من اكثر الجيوش التي تدربت وحدات قواته الخاصة على حروب العصابات وحرب المدن تحت حجة مكافحة الإرهاب،  وتسانده قوات دلتا فورس الأمريكية التي أرسلتها واشنطن لدعم العدو في عمليات التحرير الرهائن و سائر  والعمليات  الاخرى خلف خطوط العدو .

وكما ذكرنا أن قوات العدو كذلك تعتمد بشكل كبير في سلاحها البري وفي سلاح الجو على التكنولوجيا الحديثة الامريكية والمحلية المدمجة بتقنيات الدقائق الاصطناعي فائقة القوة   ،  كما وتملك اسرائيل استخبارات تعد من الأفضل في العالم والمزودة بأحدث التقنيات التجسس و المراقبة، كما  و معالجة البيانات الهائلة  وتحليلها.


نقاط ضعف العدو 

بعد ان انتهينا من سرد مكامن القوة التي يمتلكها جيش العدو والتي تعد نظريا أكثر من كافية لحسم أي معركة على الورق فقط،  في هذا القسم سنفرد بعض من نقاط الضعف والتي يعد بعضها استراتيجيا، نتناول في هذا القسم العيوب والمشاكل التي تعاني منها قوات العدو بشكل أساسي قبل  المعركة المتوقعة .


ان التعبئة العامة التي فرضت في إسرائيل بعد إعلانها حالة الحرب،  استدعائها  ل 300 الف عنصر من الاحتياط ناهيك عن أبعاده الاقتصادية ،  فإن تجهيز وتسليح وإعادة  التأهيل لهذا الكم الهائل من الجنود ليس بالأمر اليسير،  حيث أن عدة تقارير قد خرجت تقول بأن الجيش الإسرائيلي لا يملك ما يكفي من السترات الواقيه للرصاص والاسلحه وحتى الالبسه لتجهيز هذا الكم الهائل من الجنود ولكن بفضل الدعم الغربي اللامتناهي يمكننا أن نتغاضى عن هذه النقطة ولو بشكل مؤقت، اي أن هذا الكم الهائل من الجنود لن يكون جاهزا بين ليلىٍ وضحاها بل يحتاج الى وقت طويل من الإعداد والتجهيز والتدريب .


كما وان المعنويات  ليست على افضل حال وخاصة العلاقة بالسلطة الحاكمة هناك حيث تعرض رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو عند زيارته لبعض قواته في غلاف غزة للشتم والإهانة من الجنود والضباط الذي  يفترض أن يكون هو قائدهم  الأعلى  في حالة الحرب. 


كما وتجدر الاشارة الى نقطة مفصلية هنا  وهي أن جيش العدو على مر تاريخه العسكري ، كان يشكل  عدد الخسائر البشرية معيارا أساسيا في قدرته على متابعة الحرب ،وذلك بسبب حاجته البشرية،  وكون الاسرائيليين امة صغيرةً نسبياً وخاصه اذا قارناها بالعرب من  حولهم. ولنا فيما حدث في بيروت عند اجتياحهم لها في حرب 1982 حيث بعد ان خسرت قوات العدو أكثر من 100 جندي على يد المقاومين  اضطر إلى الانسحاب منها بشكل مذل ، وهذا ان دل على شيء فهو عدم قدرتهم على تحمل خسائر بشرية كبيرة . 


أن قوات العدو ومهما كانت تملك من مدرعات ودبابات رغم تطويرها وتحديثها وسماكه تدريعها لن تكون معيارا أساسيا للنصر، فالجيش الاسرائيلي يبقى جيشا ثقيلا من حيث حجم و كمية العتاد وتكتيكات الحرب بالمدرعات. وخاصه ان تجارب سابقه ومنها حرب لبنان 2006 قد اظهرت لنا أن جيش العدو يعتمد بشكل أساسي على الدبابات لحماية الأفراد بينما من المفترض أن يكون  العكس،  ففي  حروب المدن مثلا  تقع على عاتق جنود المشاة  مهمة تأمين  الدبابات من نيران جنود العدو  في ساحة المعركة، كما تقوم الدبابة توفير الدعم الناري للمشاة. كما و قد بدأ العدو بتجهيز دباباته بتقنية قفص الدجاج أي قفص معدني فوق برج الدبابة ليحميها من أي قنابل أو مقذوفات ساقطة من الأعلى .   في قسم لاحق سنتناول بالتفصيل السيناريوهات المحتملة لحرب المدن. 


اخيرا يجب ان نقول ان سلاح الجو ورغم حداثته وقدرته التدميرية الهائلة سيكون له أثر طفيف جدا في حاله اشتباكات المباشرة بين طرفي القتال ، لن يحقق التفوق الجوي للعدو شيئا ابدا. 


نقاط قوة المقاومة

يمكننا أن نلخص نقاط قوتي المقاومه في غزه بعاملين أساسيين   واحدٍ داخلي وثانيٍ خارجي. يتمثل العامل الداخلي بان مقاتلي المقاومة هم اصحاب الارض وهم المدافعون وهم الاذى بتضاريسها حتى ولو دمرها العدو كلها، كذلك فمن المؤكد أن تكون المقاومة قد جهزت دفاعات ضد هجوم العدو البري المتوقع مثل حقول الالغام ودشم قتاليه لمقاومين مسلحين ببنادق رشاشة او قناصة  او صواريخ مضادة للدروع بين انقاض المنازل والمباني. و لا يمكننا أن نغفل عن ميزة تتقنها المقاومة بشدة تمكنهم من  إبطاء وضرب العدو عبر بالعبوات الناسفة و المتفجرات . 


ان غزة بما تشكل من سجن مفتوح ضخم قد تشكل للعدو مأزقاً حقيقياً ،  حيث ان كل شباب غزة و البالغ عددهم 600 ألف  لا خيار لهم سوى القتال فالبحر من خلفكم والعدو من امامهم وعند توفر سبل القتال قد يواجه العدو قناه عنيفة جداً . 


امل عامر الثاني فهو العامل الخارجي والمتمثل بحلفاء المقاومه في غزه ونخص بالذكر هنا المقاومة في لبنان التي ومنذ اليوم الثاني للحرب في غزة مباشره بضربات ولو لم تكن كثيفة على مواقع العدو ، وذلك بهدف استراتيجي هو تشتيت العدو و سحب كمية لا باس بها من تركيزهِ وقواتهِ وعتادهِ العدو نحو جبهة الشمال حيث ان كل جندي او دبابة او حتى بندقية تذهب نحو الشمال هي بالفعل تبتعد عن صدور المقاومين في غزة.



حرب المدن شبح بأخموت و الفلوجة 


شكلت حرب المدن مأزقاً حقيقياً للجيوش النظامية  في الحقبة الأخيرة ،  ولنا في ستالينغراد في الحرب العالمية الثانية حيث استعصت المدينة  على جيش ألمانيا النازية ومنعتهم من تدمير الاتحاد السوفياتي، وكذلك معارك الفلوجة بين قوات الاحتلال الامريكية والمقاومة العراقية،  وأخيرا و منذ عدة أشهر معركه ضخمه بين القوات الروسية والقوات الأوكرانية في مدينة باخموت ،  حيث دام القتال في المدينة عدة أشهر ، علما ان القوات الروسية قد سوت المدينه كامله بالأرض قبل محاولة اقتحامها ومع ذلك كانت عليهم عملا مضنيا وشاقا كلفهم الكثير الكثير رغم  تحقيقهم الانتصار في النهاية.


وهذا ناهيك عن حرب العصابات وهي معارك بين جيش نظامي وفصائل مسلحة غير نظامية مسلحة بأسلحة خفيفة وصواريخ مضادة للدروع، فلا تملك ثكنات و مواقع عسكرية ثابتة عادةً.  و تشكل  حرب العصابات  مأزق حقيقي  للجيوش النظامية في العصر الحديث،  حيث نجحت أغلب فصائل المقاومة في هزيمة الجيوش النظامية لأعتى الدول العظمى من فيتنام لأفغانستان والتي غلبت الاخيره الأمريكان والسوفييت معا في فترتين مختلفتين، وحتى في  لبنان الذي دحر الجيش الاسرائيلي بحرب العصابات وغيرها وغيرها الكثير من الأمثلة.


نظراً إلى ما سبق يمكننا ان نضع ثلاثة سيناريوهات محتملة للمعركة البرية :

 

يتمثل  السيناريو الأول في اندلاع حرب المدن داخل القطاع و ستكون أكثر فظاعة و عنفاً ودموية و صلابةً من معركة باخموت ، حيث كما عرضنا سابقا فإن ليس هناك أمام المقاومين في غزة سوى القتال والقتال فقط ، وان مقاتلي المقاومة سيخرجون للعدو من كل من تحت كل حجر . وان قوات المقاومة بما تملك من اسلحة مضادة للدروع، ومن ضمنها صاروخ كورنيت الروسي الصنع،  و الذي اثبت فعاليه منقطعة النظير ضد دبابات ميركافا الإسرائيلية كما رأينا فيه حرب تموز 2006 ستشكل رأس حربة في مواجهة قوات  العدو المقتحمة ،  فتتحول دبابات و مدرعات العدو لتوابيت معدنية متحركة . وقت تلجأ قوات المقاومة لاستدراج قوات العدو إلى داخل القطاع ومع شعورهم بالأمان الزائف يقعون ضحية العبوات الناسفة والالغام والمقاتلين الخارجين من الخنادق المعقدة والصواريخ المضادة للدروع التي ستكون كافية لإبطاء ارتال العدو المدرعة الثقيلة، ثم جره لمعارك مباشره لن تفيده فيها لا قوته  التدميرية الهائلة و لا تكنولوجيته الحديثة الفائقة التطور،  فيخسر افضليته، و يدخل في اشتباكات مباشرة قد تصل للسلاح الأبيض. و في هذا السيناريو ستحقق المقاومه انتصارا ساحقا و تمنع العدو من تحقيق اي من اهدافه التي وضعها للعملية البرية ، وهذا السيناريو هو الافضل والامثل بالنسبة للمقاومة.


بينما من جهة أخرى هناك سيناريو آخر حيث تستطيع  قوات العدو على تحمل الخسائر البشرية والقتال في المدن،  وتباشر في اجتياح كامل مدروس لقطاع غزة اجتثاث حماس كما يقولون ، أي تدمير قوتها العسكرية كامله وذلك كي لا تؤرق رؤوسهم ثانيه لا بالصواريخ ولا بعمليات هجومية ولا بانفاق. كما سيستطيعون من تحرير أسراهم وتحقيق انتصار عسكري وسياسي هائل يعيد هيبتهم التي ضاعت، و   قد يجعل من نتنياهو  الفاسد بطلاً قومياً . ولكن مثل هكذا سيناريو هو الأمثل للعدو،  ليس بتلك السهولة حيث لتقضي على المقاومة الفلسطينية يجب عليك أن تبيد الشعب الفلسطيني بأكمله حيث ان ايديولوجية المقاومة هي في صميم الشعور المقهورة، فستتحول المقاومة لمقاومة شعبية وانتفاضات بدلا ان تكون فصائل مسلحة.

وأن السيناريو الثالث والأخير يتمثل في اختيار العدو للقيام بعملية عسكرية برية محدودة في القطاع ، و ذالك بهدف تحقيق نصر محدود أو حتى شكلي، لتقوية موقفه في المفاوضات على اسراه وكذلك تحسين صورته أمام الرأي العام واستعادة شيء من هيبته التي فقدت . إن مثل هكذا سيناريو سيكون عملية تستهدف على الارجح للسيطرة على مدينة غزة شمال القطاع و ذالك بعد تدميرها و تسويتها بالأرض و تهجير أهلها ، و يلي ذلك  بعض البروبجندا التي تتضمن  الاستعراضات والتمثيليات لإظهار انتصار ساحق و رد الإعتبار . ولكن سيناريو كهذا لن يكون سهل التحقيق كذلك فما زالت قوات العدو ستواجه مقاومة مكلفة بشكل او باخر.


ان مثل هكذا سيناريوهات متوقعة لحرب عقابات داخل مدن قطاع غزة ستكون مكلفة جدا لجيش العدو  في كل السيناريوهات، و الذي كما ذكرنا سابقا يشكل له معيار الخسائر البشري معيار استراتيجي ، دون أخذ التبعات الإقتصادية في الاعتبار . إن قيادات العدو السياسية والعسكرية العليا  وجدت نفسها في مأزق كبير،  حيث هي مضطرة لاستعادة بعضٍ من كرامتها التي خسرتها بعد طوفان الأقصى، فهي تبحث عن إنجاز عسكري ميداني ولو صوري او محدود فقط لبدء ، لتحسين موقفها وقت التفاوض على أسراها الذين تتحفظ  عليهم المقاومة . إن أي معركةٍ يكون فيها المواطنون هم أكبر الخاسرين ،   فخسر الغزاويون ابنائهم وابائهم ومساكنهم ودورهم ، ورغم التفوق النوعي العدو وحلفائه على المقاومة إلا إن النصر ليس ببعيد، إن إنتصار المقاومة هو خروجها من هذه الحرب صامدة . 



 

Comments

Popular posts from this blog

الذكاء الصناعي و مأزق الإنسان

أصول التوحش الامبريالية الغربية و أولادها